مواضيع مفضلة

السبت، 22 يونيو 2019


الفن والمجتمع عبر التاريخ .. الجزء الأول - أرنولد هاوزر

يقدم المؤلف في كتابه هذا وفي سياق عرضه لتاريخ الفن المرتبط تطوره بتطور المجتمعات من منظور إجتماعي، يقدم تاريخ الفن على أنه جزء من التطور العام للبشرية - ذهناً وجسماً - وهو التطور الذي يستهدف به الإنسان حياة أفضل على الدوام.
ومعنى ذلك أن المؤلف قد اتخذ من الفن موقفاً محدداً، يختلف في أبعاده عن مواقف كثير من مؤرخي الفن وشراح الأعمال الفنية: فهو لا يكتفي بإيضاح طبيعة الفن من خلال الفن ذاته، وإنما هو ينظر إلى الفن داخل إطار واسع؛ إطار الحياة الإجتماعية والحضارة الإنسانية في عمومها.
وإذا كان بعض الشراح يتصورون أن إدخال عوامل خارجة عن مجال الفن عند شرح إتجاه أو عمل فني معين، هو خطأ منهجي أساسي؛ فإن مؤلف هذا الكتاب يدافع - على عكس هؤلاء الشراح - عن هذه النظرة إلى الفن داخل سياقه الإجتماعي والحضاري الأوسع، ويرى أن هناك عناصر معينة في العمل الفني لا يمكن أن تُفهم منهجاً داخلياً بحثاً، وأن شخصية الفنان، والظروف الفردية التي مر بها، لا يمكن أن تكون على أهميتها الكبرى، كافية لتقديم تفسير كافٍ لظهور إختفاء إتجاهات فنية معينة، وللإرتباط الواضح بين تلك الإتجاهات والعناصر الأخرى للحياة الإجتماعية، السائدة في العصر الواحد.
ولكن، وعلى الرغم من أن المؤلف قد اتخذ من فكرة الأصل الإجتماعي للفن قضية أساسية، وجعلها محوراً لكتابه بأكمله، فإنه لا يدافع عن الفكرة إلى حد التعصب، وإنما يدرك حدودها ويحرص على التنبيه إليها، وهذا ما يجعله مختلفاً عن كثير من المدافعين عن هذه الفكرة، الذين يحاولون تطبيقها قسراً حتى في الحالات التي لا توجد فيها أدلة أو شواهد تكفي لإثباتها، فتراهم يتعسفون في التفسير والتأويل رغبة منهم في إدراج كل ظاهرة فنية منفردة ضمن الإطار العام لتفكيرهم.
ولا يفعل المؤلف ذلك لضعف في إيمانه بضرورة تفسير الفن تفسيراً إجتماعياً لسببين: أولهما نقص المعلومات المجتمعة في تعقد المجتمعات البشرية، ولعل من أوضح مظاهر الحذر لدى المؤلف إعترافه بأن الأسباب الإجتماعية الواحدة قد تؤدي أحياناً إلى نتائج متعارضة في ميدان الفن، فهو يلاحظ، وعلى سبيل المثال، أن التقدم في الصناعة أدى، في حاله حضارة كريت القديمة، إلى نوع من الخطة في الفن، بينما أدى عند اليونايين القدماء إلى تجنب حظر التوحيد والخطية، ويعلق على ذلك بقوله: "ولكن كل ما يثبته ذلك هو لا يتعين أبداً، في تاريخ الفن، أن تؤدي نفس الأسباب إلى أحداث نفس النتائج، أو أن الأسباب ربما كانت أكثر عدداً من أن يتسنى للتحليل العلمي وصفها بطريقة جامعة مانعة".
كذلك فإنه، وبعد تمجيده للفن الأثيني، يعود فيؤكد: "ومع ذلك فإن من الخطأ البيّن أن يستنج المرء أن الظروف الإجتماعية لأثينا المعاصرة كانت ضرورية، أو حتى مثالية، لإنتاج فن من هذا النوع أو من هذه المرتبة، ذلك أنه ليس من الممكن الإتيان "بوصفة" سوسيولوجية بسيطة لإنتاج قيمة فنية عليا، وأقصى ما يستطيع عالم الإجتماع أن يفعله هو أن يرجّع بعض العناصر في العمل الفني إلى أصلها، وقد تكون هذه العناصر واحدة في أعمال متباينة تماماً من حيث الكيف.
ويمكن القول وفي نهاية المطاف بأن الكتاب قد حفل بالقضايا التي تحفز الذهن على التفكير من زوايا جديدة في الظواهر التي بحثها إنطلاقاً من موضوعه، الأساس الفن وتطوره المرتبط بتطور المجتمعات البشرية عبر التاريخ


حمل الكتاب من الرابط

إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف